منذ أيام ليست بالبعيدة، تناقلت وسائل الإعلام العالمية في تاريخ التاسع والعشرين من الشهر الجاري أخباراً عن تحذير السفير الصيني لدى الولايات المتحدة تشين غانغ من احتمال نشوب “صراع عسكري” بين الصين وأمريكا بشأن تايوان، الأمر الذي يدفعنا للبحث في مدى قابلية هذا الأمر للتحقق من عدمه. أولاً: الانفصاليين في الداخل الأوكراني: منذ فترة ما بعد الحرب العالمية الثانية وتايوان تعاني من وجود تيارات انفصالية تحاول المضي سياسياً بتايوان إلى الانفصال أو ما تسميه مجازاً “الاستقلال” عن الصين التي هي الدولة الأم، رغم اعتراض قسم كبير من التايوانيين على هذا الانفصال ورغبتهم بالوحدة، وفي سبيل هذا الطموح ، تستنجد تايوان بالخارج لتحصل على الدعم اللازم عسكرياً وسياسياً واقتصادياً، والدليل بعد تسلّم الرئيسة (تساي ونجوان) المنتمية للحزب الديمقراطي التقدّمي الذي يميل نحو الاستقلال التام على الصيني، رغم ما قامت به الصين من توجيه دعوات وإطلاق مبادرات للتلاحم والاتحاد ونبذ الانفصال، ودليل ذلك ما حدث من رفض لصيغة (دولة واحدة بنظامان)، وما تلا ذلك من انتخاب (شين بيان) رئيساً لتايوان والمؤيد للاستقلال عام 2000 م؛ الأمر الذي أجبر الصين في عام 2004م، على إصدار قرار لفرض الوحدة بالقوة لو تطلب الأمر، وهم محقين بذلك من منطلق حماية استقلالهم وسيادتهم وأمنهم القومي في حال حاول التايوان الاستقلال والانفصال. ثانياً: الدعم الأمريكي كما يظهر للعيان. خلاصة ما سبق إنّ الخطر الداخلي يتمثّل بالقوة الانفصالية التي تستنجد بالخارج وتدعم تايوان في استغلال استقلالها عن الصين فهذا من جهة، ولكن بالمقابل هناك قوى خارجية تحاول استغلال الوضع في تايوان لأغراض سياسية وعسكرية واقتصادية بحته عبر اتخاذها زريعة وحجة لتواجدها في تلك المنطقة أي منطقه شبه جزيره تايوان، ولقد أخذ الدعم الأمريكي لتايوان العديد من الأشكال منها على سبيل المثال: أولاً: دعم عسكري عبر تقديم أسلحه نوعيه لتايوان بالإضافة إلى دعم سياسي في المنظمات الدولية تحت شعار القوانين والحقوق الدولية والإنسانية بغرض الضغط على الصين لا أكثر ولا أقل، والأدلة كثيرة تقرير “وول ستريت جورنال” عن وجود مدربين أمريكيين للقوات البرية والبحرية التايوانية ومستشارين عسكريين، كذلك تزويد تايوان بـ66 مقاتلة “F-16”. ثانياً: الضغط والحرب النفسية عبر المناورات العسكرية البحرية المكلفة التي تجريها في بحر الصين الجنوبي ومضيق تايوان والأدلة كثيرة منها عبور المدمّرة قاذفة الصواريخ الموجّهة “يو إس إس باري” في 14 أكتوبر/تشرين الأول مضيق تايوان الأمر الذي اعتبرته الصين استفزازاً، كذلك ما نشرته كالة الأنباء اليابانية “NHK” من مناورات أمريكية يابانية بالغواصات في بحر الصين الجنوبي بتاريخ 17/11/2021م. ثالثاً: التعهدات الرسمية بالدعم والمساندة لتايوان من قبل الولايات المتحدة الأمريكية تحديداً، والأدلة كثيرة منها ما نقلته عن واشنطن (أ ف ب) – أعلن وزير الدفاع الأميركي لويد أوستن” نّ الولايات المتحدة تبقى ملتزمة دعم “قدرة تايوان على الدفاع عن نفسها”. وعند البحث في الأسباب التي تدفع الأمريكي لتقديم هذا الدعم لتايوان فقد نجد الأمر يعود إلى جملة من الأسباب منها : 1. المكانة الدولية للصين الوزن السياسي. 2. التقدّم الاقتصادي والتنموي البشري للصين . 3. حجم القوة العسكرية الصهيونية التي تشكّل مصدر قلق للأمريكي . أما الأهداف التي تتوخاها الولايات المتحدة الأمريكية من دعم طموحات التايوانيين الديمقراطيين التقدميين الاستقلالية كما تمثّل أو تتظاهر به إعلامياً وسياسياً، وبالطبع هناك إنّ إثبات الدعم الأمريكي على أرض الواقع شيء وعلى الواجهة الإعلامية والسياسية شيء أخر، ويحتاج الأمر للتأكد عبر الاعتماد على احصائيات واستبيانات دقيقة. وبالعودة إلى الأهداف فإنها تتمثّل بما يلي: أولاً: تامين نصيبها من الممرات المائية العالمية لأغراض التجارة الدولية لكي لا تقع تحت سيطرة دول بعينها كالصين لاسيما بحر الصين الجنوبي ومضيق تايوان. ثانياً: هناك مخاطر اليوم وكلام عن ذهاب القطبية الأحادية، وظهور تعدديه قطبيه بزعامة الصين وحليفتها روسيا وطهران ودول أمريكا اللاتينية وسورية الشرق اوسطيه مقابل الحلف الأمريكي وحلفائها والتدخل في شؤونها الداخلية قوتها والتمدد والتصرف تامر طوريه الذي يحتاج الى تضييق للصين بنزر الامريكيين. ثالثاً: العودة إلى التاريخ تكشف الحقيقة: لعل الجانب العسكري هو الأكثر أهمية في سياق العودة لتاريخ العلاقة التي جمعت أمريكا بتايوان، ولعل أهم الأمور الفارقة في هذا السياق ما يُسمى البيانات الثلاث و الضمانات الستة.
أولاً: البيانات الثلاثة(1972م-1979م) بيان شنغهاي وبيان التطبيع وبيان 17/أغسطس /أب والت بموجبها جميعاً تعهدت بإلغاء العلاقات الرسمية بين الولايات المتحدة وجمهورية الصين، وإخراج القوات الأمريكية من تايوان، وإنهاء بيع الأسلحة إلى تايوان تدريجيًا، ولكن مع عدم وجود جدول زمني للقيام بذلك. ثانياً: الضمانات الستة: أعطت إدارة ريغان الجمهورية في 14 يوليو عام 1982م تأكيدات محددة لتايوان بأن الولايات المتحدة لم تقبل بمطالبة الصين بالسيادة على الجزيرة ضمن ما يسمى بوثيقة “الضمانات الست” التي لم تحدد بموجبها موعداً لنهاية الدعم العسكري لتايوان والذي يعود لتاريخ الحرب الأهلية بين القوميين والشيوعيون حيث كانت الولايات المتحدة الأمريكية تدعم حكومة شيانغ كاي شيك، ولقد استمر تقديم الدعم العسكري رغم اعتراف الولايات المتحدة في البيان المشترك بحكومة جمهورية الصين الشعبية على أنّها الحكومة الشرعية الوحيدة، وأنّ هناك صين واحدة وأن تايوان جزء من الصين، وليس مناداة أمريكا بسياسة صين واحدة إلا لغرض التسهيلات الدبلوماسية خاريجياً لا أكثر. وبخصوص التصعيد السياسي والعسكري الذي نشهده اليوم بخصوص تايوان فهو قديم وليس مستجد، فعل سبيل التذكير سؤل بوش الأبن في عام 2001م «إذا تعرضت تايوان لهجوم صيني، فهل علينا (الولايات المتحدة) الالتزام بالدفاع عن التايوانيين؟» فأجاب: «نعم، يجب علينا ذلك، ويجب أن يفهم الصينيون ذلك. ستفعل الولايات المتحدة كل ما بوسعها لمساعدة تايوان في الدفاع عن نفسها». وفي عام 2010م استمر الضغط من جمهورية الصين الشعبية، وبدا من غير المرجح تزويد تايوان بغواصات أو مقاتلات نفاثة متطورة. أشارت تايوان إلى استعدادها لاستضافة رادارات الدفاع الصاروخي الوطني لربطها بالنظام الأمريكي، لتعلن وزارة الخارجية لأمريكية بعد ذلك عن خفض المبيعات التجارية للأسلحة تجنباً للتداعيات السياسية مع جمهورية الصين الشعبية. وبعد توقيع الرئيس الأمريكي باراك أوباما على قانون إيتش أر عام 2013م واصلت أمريكا بيع المعدات العسكرية الدفاعية المناسبة لتايوان وفقًا لقانون العلاقات مع تايوان، وذكر أنذاك أن مبيعات الأسلحة تخلق حالة من الاستقرار في المنطقة تخدم مصالح أمريكا دون تحديد لماهية هذا الاستقرار. وصولاً إلى قدوم الرئيس الأمريكي دولاند ترامب الذي وقع قانون مبادرة الحماية الدولية وتعزيزها لحلفاء تايوان في 26 /مارس/أذار/ 2020م بهدف توسيع نطاق العلاقات الأمريكية مع تايوان بما فيها الأمنية والعسكرية حسب مطالب الرئيسة التايوانية تساي إنغ وين في مكالمتها مع ترامب في عام 2016م. وبالنتيجة إن الرجوع لتاريخ العلاقة بين الولايات المتحدة الأمريكية وتايوان يظهر عدّة أمور هامّة منها: الأول: قدم الدعم العسكري لتايوان إذا إنّه ليس ظاهرة جديدة كما يصورها وتضخمها وسائل الإعلام. ثانياً: قدم المحاولات الأمريكية لانفصال تايوان عن الصين سواء عبر زرع قيمها الليبرالية أو التحريض السياسي أو التعامل بازدواجية المعايير ففي حين تعلن الالتزام بمبدأ “الصين الواحدة” تتصرف عملياً فق مبدأ تايوان “الصين واحدة” وهناك فرق. ثالثاً: دائماً كان هناك استياء صيني من دعم امريكا العسكري لتايوان ولكن لم يحدث أي صدام عسكري طيلة هذه السنوات بسبب تايوان. رابعاً: أهم النتائج التي تم التوصّل لها: أولاً: حقيقة الوضع بين الصين وامريكا بخصوص تايوان كشفه ووضحه جورج بوش الأب في 2001م أنّه «على الرغم من امتلاكنا (الصين والولايات المتحدة) بعض المصالح المشتركة، ولكن يجب أن يفهم الصينيون أن هناك بعض المجالات التي سنختلف فيها»، وعاد وزير الدفاع الأمريكي منتدى للدفاع الوطني بكاليفورنيا ليكشف الأمور على حقيقتها أن ما يشاهده العالم اليوم ليس صراع بل “إدارة صراع” حيث قال: “الاختلافات الحقيقيّة على صعيدَي المصالح والقيَم” بين واشنطن والصين، وقال “لكنّ ما يهمّ هو الطريقة التي نُدير بها” هذه المصالح والقيَم” ، إذاً أي تصعيد سياسي أو عسكري أو إعلامي فهو مدروس ومتفق عليه –بناء على ما سبق- بدقة بحيث لا يقود لصدام حقيقي بين الطرفين على عكس ما يصوره الإعلام من اقتراب صدام وشيك. ثانياً: كل ما في الأمر أنّ الغاية الاستغلال الأمريكي لتايوان ضمان مصالحها الاقتصادية وزعامتها السياسية والعسكرية، ولهذه الغاية تنصرف الجهود والسياسات الأمريكية تجاه الصين بخصوص الملفات العالقة بينهما سواء تايوان أو بحر الصين الجنوبي. ثالثاً: التهديدات الصينية للأمريكان لعدم العبث بشؤونها الداخلية غرضها إيصال رسالة سياسية مفادها: “إن الصين اليوم هي غير الصين فيما مضى، والمعاملة نداً لند هي التي يجب أن تتم العلاقات وفقها”.
رابعاً: بالنتيجة إذا تايوان ملف ضغط سياسي وأمني أمريكي على الصين لا أكثر ولا أقل، ولا منطقية ولا صحة عملية لما يتم تداوله بشأن اندلاع صدام عسكري بين الصين وأمريكا بسبب تايوان. خامساً: لا يوجد احتمالات تدهور العلاقات الصينية – الأمريكية بسبب تايوان رغم مناوشات والإعلامية والسياسية حالياً فقد زاد التبادل التجاري بينهما ووصل في ارتفع في الربع الأول إلى 2021م بنسبة 73.1 بالمئة 165.72 مليار دولار أمريكي بالمقارنة مع الفترة نفسها من عام 2020م نقلاً عن إحصائية لسبوتنيك الروسية.
جميع الحقوق محفوظة لموقع وطني برس %year% - برمجة وتصميم Roomel