“وطني برس”: باسل قس نصر الله
كتب باسل قس نصر الله: في مسرحية جبال الصوان للسيدة فيروز تدور الأغنية الرائعة “بدنا نكمّل بللي بقيو” حول إصرار الإنسان على البناء والدفاع عن النفس بمن تبقى.
لماذا أقول هذا الكلام؟
منذ بداية الأزمة في سورية عامة، وحلب خاصة، بدأ الكثير من المسيحيين يفكر بالهجرة – ولأول مرة – بسبب الخوف على حياتهم، لأنهم كانوا في السابق يهاجرون – وإخوتهم المسلمين – بسبب الظروف الاقتصادية أو الاجتماعية أو العائلية، ولكنهم مطلقا لم يفكروا بالهجرة خوفا على حياتهم.
بعد الأزمة، حدَثَ ما جعل الجميع يخاف، فالمسلم أصبح يخاف ممن يقول إنه على صواب وغيره على خطأ ويجب قتله، والمسيحي خاف من انفلاش الألوية التي حملت أسماء ذات مدلول إسلامي جعلته يتصور أن كل المسلمين سيقاتلونه ويقتلونه مع ازدياد صور وأفلام قطع الرؤوس وكلمات أخذت مدلولا مخيفاً وهي بالأصل كلمة عظيمة المعنى، مثل “الله أكبر” التي ربطت اسم جلالته بذهنية القتل والدماء وقطع الرؤوس، وحاشا الإله من ذلك.
اليوم – للأسف – غادر الكثير من المسيحيين سورية، ومن حلب خاصة، أولاً إلى مدن أخرى في سورية، وثانياً إلى لبنان وثالثاً إلى أوروبا وخاصة السويد ثم إلى كندا وأميركا وبقية دول العالم.
منهم من سافر وفي نيته العودة ومنهم من سافر للهجرة، وتحت مسميات شتى، منها – إن لم تكن أهمها – تأمين الدراسة للأولاد.
أخي له ولدان، أراد أن يؤمن دراسة البكر في الجامعة فأرسله الى كندا، ثم غادر مع عائلته المتبقية من الزوجة والولد الثاني إلى كندا، وانتسب الابن الصغير إلى إحدى مدارسها، وأنا أتوقع أنه إذا طالت الأزمة، فسيبقى الولد الثاني في مدارسها وهو يقترب من الجامعة، وأكيد أن تفكير أخي هو انه “ليس من المحرز” أن يعود الى سورية لمتابعة تعليمه وهو في الأخير سيغادر الى كندا للدراسة في جامعاتها.
هذه الحالة نستطيع ببساطة أن نُسقطها على الكثير من آلاف العائلات المسيحية التي سافرت إلى البلدان المجاورة أو العالم، فهم قد يعودوا إلى سورية، ولكن جيل الأبناء الذي يدرس في الخارج لن يعود، وستمر السنوات لينتقل الأب والأم بعد أن يكبروا في العمر لعند الأبناء، فيغادروا على أساس أنهم يحبون أن ينهوا حياتهم قرب الأبناء – الذين يكونون قد استقروا في بلاد المهجر – والأحفاد، وهكذا تفرغ سورية من مسيحييها، ولكن ليس الآن بل بعد عشرين سنة تقريباً على الغالب.
ومع ذلك سيبقى من لم يغادر….
سنبقى من أجل ماضينا…..
سنبقى من أجل قبور أجدادنا……
من أجل هذا البلد الذي علّمنا وتربينا في أحضانه….
من أجل المراجيح التي ما زالت تتأرجح بأطفال آخرين……
من أجل كل الأشياء الجميلة التي أحببناها……
يقول المثلث الرحمات المطران نيوفيطوس ادلبي (مطرن الروم الكاثوليك في حلب) : قد لا تكون أمي أجمل النساء ولكنها أمي، وقد لا يكون بلدي أحسن البلدان، لكنه بلدي.
سأحبك أكثر كما أحببتني
وأحضنك أكثر كما حضنتني
وساعيد أحجارك الطاهرة وابنيها، وأمد يدي إلى أخي السوري لنعيد بناء الإنسان .
وأنا كسوري مسيحي أرفض أن أخرج وأتهرب من مسؤولياتي، وأنا سأبقى مع من بقي لأردد مع فيروز “راح نكمل بللي بقيو”
اللهم اشهد أني بلغت.